حين يكون دخلك جيدًا، لكن مصروفاتك لا تعكس هذا الدخل
محمد ونورة، دخل كل منهما 10 آلاف ريال، ولكن في منتصف كل شهر تراهم يرددون: “راتبي ممتاز الحمدلله لكن ما أدري وين يروح” أو “أنا ما أبذّر، بس الراتب يطير!”
عبارات تتكرر كثيرًا على ألسنة أصحاب الرواتب الجيدة، لكنهملكنهم يقضون نصف الشهر في حيرة، ونصفه الآخر في تكرار السؤال ذاته:
أين ذهبت أموالهم؟ لماذا لا يبقى شيء؟
والإجابة ليست دائمًا في الراتب، بل في التفاصيل التي لا تُرى.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على التسرب المالي الخفي، ونوضح أسباب اختفاء الراتب رغم أنه جيد، ونقدّم خطوات عملية لبناء وعي مالي يعينك على البدء بالادخار ويساعدك على إدارة دخلك بثقة.
لماذا لا أشعر بمالي رغم أن راتبي جيد؟.
قد تتساءل: لماذا لا أشعر بمالي رغم أن راتبي جيد؟
السبب الأول غالبًا: غياب الرؤية الشاملة للمصروفات. فحين لا تُتابع نفقاتك، ولا تُخصص ميزانية واضحة، ستشعر بأن المال “يتبخّر” دون سبب.
وتزداد المشكلة مع النفقات الصغيرة، المتكررة، أو العشوائية. (مثل: قهوة يومية 15 ريال × 30 = 450 ريال شهريًا).
الدخل الجيد لا يعني الاستقرار، إن لم يصحبه ضبط ومتابعة.
عادات صغيرة، لكنها تستهلك أكثر مما تظن
تُراكِم هذه العادات مصاريف صغيرة، لكنها مع الوقت تُحدث فجوة حقيقية في محفظتك
- شراء القهوة يوميًا دون حساب
- الاشتراكات المنسية (منصات، تطبيقات، نوادٍ)
- الهدايا المفاجئة
- الطلبات المتكررة دون تخطيط
- النقل الخاص بدل المواصلات
- العروض المغرية التي لا تحتاجها أصلًا
كل هذه العادات تُراكِم استنزافًا بطيئًا، لكنه مستمر. والتحدي هنا ليس أن تتوقف عن الاستمتاع، بل أن تُدير الاستمتاع بذكاء.
هل تدفع نقدا (كاش)؟ أم تعتمد على التطبيقات (شبكة)؟
كاش والا شبكة؟ تسمعها في أغلب المحلات التجارية إن لم يكن جميعها.
ومن المفارقات أن طريقة الدفع تؤثر في شعورك بالمصروف. الدفع النقدي يجعلك أكثر وعيًا، بينما البطاقات والتطبيقات تُقلل من الإحساس الفوري بالخسارة.
ومن المحتمل أنك قد سمعت هذه الجملة “أصرف بالجوال أكثر، ولا أنتبه لكم صرفت إلا إذا رفضوا بطاقتي!”
لذلك جرّب أن تدوّن كل مصروف، أو استخدم تطبيقات بسيطة تُظهر لك حركة أموالك بوضوح، أو تتعامل نقدا.
فالوعي لا يبدأ من الحساب البنكي، بل من سلوكك اليومي وطريقة الدفع تُغيّر وعيك بالمصروفات.
خطوات لضبط الميزانية دون تعقيد
جرب هذه الخطوات البسيطة كتمارين أولية لرفع وعيك المالي دون الدخول في تعقيدات.
- .قسّم راتبك: جزء للضروريات، جزء للادخار، والباقي للترفيه.
- .اكتب نفقاتك لمدة أسبوعين فقط، وستُفاجأ بالنتائج.
- .حدّد سقفًا أسبوعيًا للصرف، بدل أن تراقب اليوم بيومه.
- .راقب أيام الرواتب: أكثر تسرب مالي يحدث في أول 10 أيام من الشهر.
- .اعتمد قاعدة التأمل قبل الشراء “الانتظار 48 ساعة قبل الشراء” لأي سلعة غير ضرورية.
كيف أستفيد من راتبي العالي بشكل استثماري؟
حين تتخطّى مرحلة “الراتب ما يكفي”، وتبدأ تشعر بأن دخلك يوفّر لك مساحة للراحة، تظهر تساؤلات جديدة أكثر أهمية:
هل هذا الفائض يذهب إلى المكان الصحيح؟
بدل أن تُنفق الزائد دون خطة، فكّر في تحويل جزء منه إلى فرص استثمارية بسيطة ومدروسة.
لا تحتاج إلى ثروة لتبدأ، بل إلى وعي واستمرارية.
- جرّب أن تخصص نسبة ثابتة (مثل 10٪) للاستثمار الشهري.
- ابدأ بصناديق استثمارية مرخصة من البنوك المحلية أو منصات حكومية مثل “استثمر بوعي”.
- استعن بمستشار مالي معتمد لوضع خطة حسب أهدافك.
- استثمر في تطويرك المهني، أو في مشروع جانبي بسيط تبدأ به من بيتك.
الاستثمار لا يعني المغامرة، بل يعني أن تجعل مالك يخدمك لا العكس
هل يمكن أن يكون الوعي المالي عادة يومية؟ وكيف تبنيه؟
- لا تبدأ يومك دون مراجعة وضعك المالي العام.
- اربط المصروف بالهدف: لماذا أشتري؟ ما الفائدة؟
- خُذ لحظة تأمل قبل أي مصروف متكرر.
- اقرأ أكثر، تحدّث مع آخرين، وشارك تجاربك لتبني عادة الوعي المالي كجزء من يومك، لا مجرد ردة فعل لأزمة.
تذكر، ما لا تراقبه، لن تتحكم به.
خاتمة
ربما لا تكون مبذّرًا، لكن غياب التنظيم يجعلك تعيش كأنك كذلك. راتبك ليس قليلًا، لكنه يحتاج قائدًا لا متفرّجًا.
ومع بعض الانتباه، يمكنك تحويل كل نهاية شهر من حيرة، إلى رضا وثقة.
في مقتصد، نؤمن أن المال يُدار بالعقل لا بالعاطفة فهل تبدأ بقيادة أموالك هذا الشهر؟