هل الكرم يعني الإسراف؟ وهل الادخار يعني البخل؟

هل الكرم يعني الإسراف؟ وهل الادخار يعني البخل؟

المدونات

هل الكرم يعني الإسراف؟ وهل الادخار يعني البخل؟

في كل مناسبة اجتماعية، يعود السؤال نفسه: كم أدفع؟ وكم يكفي؟

الكرم عندنا ليس اختيارًا شخصيًا فقط، بل معيارًا اجتماعيًا يقاس به الناس. ومع أن التوفير مطلب، إلا أن كثيرين يتراجعون عنه خشية اللوم أو الاتهام بالبخل.

حين يتصادم الكرم مع الادخار، لا نبحث عن فائز، بل عن توازن. عن لحظة لا كرم يرهقك، ولا ادخار يكسرك.

في هذا المقال، لا نناقش الكرم كقيمة ولا الادخار كمهارة، بل نحاول أن نفهم كيف نوازن بينهما. كيف نكون كرماء دون أن نُرهق أنفسنا، ومدبرين دون أن نخسر وجهنا.


التوتر بين الصورة والقدرة

في مجتمعاتنا، يُقاس الكرم أحيانًا بما يُقدَّم لا بما يُقصَد. وكلما زاد المبلغ، ارتفعت المكانة، ولو كان ذلك على حساب الاستقرار. كثير من الناس يعيشون هذا الصراع يوميًا: لا يريد أن يُحرج، ولا يستطيع أن يُبالغ. فيُجامل وهو متردد، ويصرف وهو قلق، ثم يعود ليُعاتب نفسه في صمت.
هنا لا يكون الكرم عبئًا ماليًا فقط، بل عبئًا نفسيًا أيضًا. التحدي الحقيقي ليس في العطاء، بل في الحفاظ على التوازن حين يصبح الكرم معيارًا اجتماعيًا أكثر من كونه نية طيبة.


مشاهد من الواقع

في حفل زفاف قريب، أراد أحدهم تقديم مبلغ يناسب وضعه الحالي. تردّد، ثم زاد المبلغ مضطرًا. لم يكن مرتاحًا، لكنه شعر أن كونه “أقل من غيره” سيُحسب عليه. هذا المشهد يتكرر كثيرًا، بأشكال مختلفة، ويكشف حجم الخلط بين النية والمظهر، وبين الكرم والإسراف.

كان قد ادّخر مبلغًا صغيرًا للطوارئ، واحتفظ به لأشهر، مطمئنًا أن له سندًا إن ضاق عليه الحال. لكنه ذات يوم، أنفقه كله على هاتف جديد لا يحتاجه، فقط لأنه شعر بالملل من هاتفه القديم. لم يُجبره أحد، ولم يكن مضطرًا، لكنه خضع لرغبة عابرة، وضحّى بادخاره من أجل كمالية كان يمكن تأجيلها. هكذا تتبخّر مدخرات كثيرة، لا بسبب الأزمات، بل بسبب قرارات غير موزونة.


الفرق بين الكرم والإسراف، والادخار والبخل

الكرم هو أن تعطي عن طيب نفس، بما لا يضرك ولا يرهق من تعول. أما الإسراف، فهو تجاوز الحاجة، وبذل المال بدافع المجاملة أو حب الظهور.
وفي المقابل، الادخار هو تنظيم للمال وتأجيل مدروس للصرف. أما البخل، فهو التخلّف عن الإنفاق في موضعه، وحرمان النفس والغير من حق مشروع.
حين تختلط هذه المفاهيم، تبدأ المشكلة. فبعض الناس ينفق لا عن سخاء خالص، بل خوفًا من كلام الآخرين أو سعيًا لإثبات الذات. ومع تكرار المجاملات، تتحوّل قيمة الكرم إلى عبء، ويُساء فهم الادخار وكأنه تخلٍ عن الواجب. بهذه الصورة، تضيع القيم النبيلة في ضجيج العادات، وتُزرع أزمة لا يشعر بها إلا من دفع ثمنها.


لمحات توازن لا تُنسى

  • لا تضع ميزانية المجاملات فوق ميزانية بيتك 
  • العطاء لا يُقاس بما تنفق، بل بما تترك بعد الإنفاق
  • كرمك الحقيقي أن تبقى قادرًا على الاستمرار
  • لا تعطِ لتُرضي الناس، بل لتبقى صادقًا مع نفسك
  • أحفظ ريالك، وادخر مبلغًا لنوائب الدهر 
  • اعتذر بأدب، بدلاً من أن تُرهق نفسك بصمت
  • التوازن لا يعني البُخل، بل يعني العيش بوعي واستمرار

مقتصد، حيث التوازن يبدأ من الفكرة

في “مقتصد”، لا ندعوك للتقشف، ولا نحملك فوق طاقتك. ونؤمن أن الوعي المالي لا يُناقض القيم، بل يُعيد ترتيبها.
وهذا المقال هو دعوة للتفكير، لا لإلغاء الكرم، ولا لتمجيد الادخار، بل لصناعة وعي متزن، من داخل ثقافتنا لا من خارجها.

ختامًا

في بيئة تحتفي بالكرم، ليس عليك أن تُقصي الادخار، بل أن تجد توازنًا يحفظ كرامتك ويؤمن مستقبلك، ولا أن تنقلب على مجتمعك، ولا أن تكبح كرمك الفطري. المطلوب فقط أن تُعيد ترتيب أولوياتك، وتُعطي بما لا يرهقك، وتُجامل بما لا يكسرك. الكرم يفتح لك القلوب، والادخار يفتح لك الأبواب، والتوازن بينهما هو ما يصنع الإنسان الرشيد.

شارك المقالة الآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Strong Testimonials form submission spinner.
rating fields